الجنة أصلا ، وليس للغاية هنا مفهوم ، ووجه التأكيد فيه كدعوى الشيء ببينة ، لأنه جعل ولوج الجمل فى السم غاية لنفى دخولهم الجنة ، وتلك غاية لا توجد ، فلا يزال دخولهم الجنة منتفيا.
* * *
(٤٦) الحذف :
إسقاط جزء الكلام أو كله لدليل ، وهو خلاف الأصل ، لذا فإنه إذا دار الأمر بين الحذف وعدمه كان الحمل على عدمه أولى ، لأن الأصل عدم التغيير ، وإذا دار الأمر بين قلة المحذوف وكثرته كان الحمل على قلته أولى.
ولا بد للحذف من دليل ، والدليل تارة يدل على محذوف مطلق ، وتارة على محذوف معين ومن أدلة الحذف :
١ ـ أن يدل عليه العقل حيث تستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يوسف : ٨٢ فإنه يستحيل عقلا تكلم الأمكنة إلا بمعجزة.
٢ ـ أن تدل عليه العادة الشرعية ، كقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) النحل : ١١٥ ، فإن الذات لا تتصف بالحل والحرمة شرعا ، إنما هما من صفات الأفعال الواقعة على الذوات ، فعلم أن المحذوف التناول ، ولكنه لما حذف وأقيمت الميتة مقامه أسند إليها الفعل وقطع النظر عنه.
٣ ـ أن يدل العقل على الحذف والتعيين ، كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) الفجر : ٢٢ ، أى أمره أو عذابه وملائكته ، لأن العقل دل على أصل الحذف ، ولاستحالة مجىء البارى عقلا ، لأن المجيء من سمات الحدوث ، ودل العقل أيضا على التعيين ، وهو الأمر ونحوه.
٤ ـ أن يدل العقل على أصل الحذف ، وتدل عادة الناس تعيين المحذوف ، كقوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) يوسف : ٣٢ ، فإن يوسف عليهالسلام ليس طرفا
(ـ ٦ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٣)
للومهن ، فتعين أن يكون غيره ، فقد دل العقل على أصل الحذف. ثم يجوز أن يكون الظرف جثة «بدليل : (شَغَفَها حُبًّا) يوسف : ٣٠ ، أو مراودته ، بدليل : (تُراوِدُ فَتاها) يوسف : ٣٠ ، لكن العقل لا يعين واحدا منها ، بل العادة دلت على أن اللوم فيما للنفس فيه اختيار ، وهو المراودة ، لقدرته على دفعها.
٥ ـ أن تدل العادة على تعيين المحذوف ، كقوله تعالى : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) آل عمران : ١٦٧ ، أى مكان قتال ، والمراد مكانا صالحا للقتال ، لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال.
والعادة تمنع أن يريدوا «لو نعلم حقيقية القتال» فلذلك قدره بعضهم : مكان قتال.
٦ ـ أن يدل اللفظ على الحذف ، والشروع فى الفعل على تعيين المحذوف ، كقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ) الفاتحة : ١ ، فإن اللفظ يدل على أن فيه حذفا ، لأن حرف الجر لا بد له من متعلق ، ودل الشروع على تعيينه ، وهو الفعل الذى جعلت التسمية فى مبدئه من قراءة أو أكل أو شرب أو نحوه ، ويقدر فى كل موضع مما يليق.
٧ ـ تقدم ما يدل على المحذوف وما فى سياقه ، كقوله تعالى : (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) الصافات : ١٧٩.
٨ ـ إعفاؤه بسبب النزول ، كما فى قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) المائدة : ٥ فإنه لا بد فيه من تقدير ، أى إذا قمتم من المضاجع ، أو إذا قمتم محدثين.
ولا بد أن تكون فى المذكور دلالة على المحذوف ، إما من لفظه أو من سياقه ، وتلك الدلالة :
(أ) مثالية ، تحصل من إعراب اللفظ ، فإذا كان منصوبا فلا بد له من ناصب ظاهر أو مقدر ، نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) النساء : ٢ ، والتقدير : واحفظوا الأرحام.
(ب) حالية : تحصل من النظر إلى المعنى ، كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) القيامة : ١ والتقدير : لأنا أقسم ، لأن فعل الحال لا يقسم عليه.
والحذف أقسام :
١ ـ الاقتطاع : وهو ذكر حرف من الكلمة وإسقاط الباقى ، كقوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) المائدة : ٧ ، فقيل : إن الباء هنا أول كلمة «بعض» ، ثم حذف الباقى.
٢ ـ الاكتفاء ، وهو أن يقتضى المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط ، فيكتفى بأحدهما عن الآخر ، ومنه قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الأنعام : ١٣ ، فقد قيل : المراد : وما تحرك ، وإنما آثر ذكر السكون لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ، ولأن الساكن أكثر عددا من المتحرك ، أو لأن كل متحرك يصير إلى السكون ، ولأن السكون هو الأصل والحركة طارئة.
٣ ـ الإضمار ، وهو أن يضمر من القول المجاور لبيان أحد جزءيه ، كقوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) الأنفال : ٢٣ ، أى لو أفهمتهم لما أجدى فيهم التفهيم ، فكيف وقد سلبوا القوة الفاهمة ، فعلم بذلك أنهم مع انتفاء الفهم أحق بنقد القبول والهداية.
٤ ـ أن يستدل بالفعل لشيئين ، وهو فى الحقيقة لأحدهما ، فيضمر للآخر فعل يناسبه ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) الحشر : ٩ ، أى واعتقدوا الإيمان.
٥ ـ أن يقتضى الكلام شيئين فيقتصر على أحدهما لأنه المقصود ، كقوله تعالى حكاية عن فرعون : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) طه : ٤٨ ، ولم يقل : وهارون ، لأن موسى المقصود المتحمل أعباء الرسالة
٦ ـ أن يذكر شيئان ثم يعود الضمير إلى أحدهما دون الآخر ، كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) الجمعة : ١١ ، والتقدير : إذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، أو لهوا انفضوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، وخص التجارة لأنها كانت سبب انفضاض الذين نزلت فيهم هذه الآية ، ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة ما لا يشغله اللهو.
٧ ـ الحذف المقابل ، وهو أن يجتمع فى الكلام متقابلان فيحذف من واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه ، كقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) هود : ٣٥ ، الأصل : فإن افتريته فعلىّ إجرامى وأنتم برآء منه ، وعليكم إجرامكم وأنا برىء مما تجرمون ، فنسبة قوله تعالى : (إجرامى) وهو الأول ، إلى قوله تعالى : (وعليكم إجرامكم) ، وهو الثالث ، كنسبة قوله : «وأنتم برآء منه» ، وهو الثانى ، إلى قوله تعالى : (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) وهو الرابع ، واكتفى من كل متناسبين بأحدهما.
٨ ـ الاختزال ، وهو حذف كلمة أو أكثر ، وهى إما :
(ا) اسم. (ب) فعل. (ج) حرف ،
(ا) الاسم ومنه :
١ ـ حذف المبتدأ ، كقوله تعالى : (بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ) الأحقاف : ٣٥ ، أى هذا بلاغ.
٢ ـ حذف الخبر ، ومنه قوله تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) الرعد : ٣٥ ، أى وظلها دائم.
٣ ـ حذف الفاعل ، كقوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) القيامة : ١ ، أى بلغت الروح.
٤ ـ حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) الأنبياء : ٩٦ ، أى سد يأجوج ومأجوج.
٥ ـ حذف المضاف والمضاف إليه ، كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) الروم : ٤ ، أى من قبل ذلك ومن بعده.
٦ ـ حذف المضاف والمضاف إلهى ، كقوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) الواقعة : ٨٢ ، أى بدل شكر رزقكم.
٧ ـ حذف الجار والمجرور ، كقوله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) التوبة : ١٠٢ ، أى بسيئ.
٨ ـ حذف الموصوف ، ويشترط فيه :
(ا) كون الصفة خاصة بالموصوف حتى يحصل العلم بالموصوف ، فمتى كانت الصفة عامة امتنع حذف الموصوف.
(ب) أن يعتمد على مجرد الصفة من حيث هى متعلق عرض السياق ، ومنه قوله تعالى : (وَعَمِلَ صالِحاً) القصص : ٦٧ ، أى عملا صالحا.
٩ ـ حذف الصفة ، كقوله تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) الكهف : ١٠٥ ، أى وزنا نافعا.
١٠ ـ حذف المعطوف ، كقوله تعالى : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) النمل : ٤٩ ، أى ما شهدنا مهلك أهله ومهلكه.
١١ ـ حذف المعطوف عليه كقوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) آل عمران : ٩١ ، أى لو ملكه ولو افتدى به.
١٢ ـ حذف الموصول ، كقوله تعالى : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) العنكبوت : ٤٦ ، أى والذى أنزل إليكم ، لأن الذى أنزل إلينا ليس هو هو الذى أنزل إلى من قبلنا ، ولذلك أعيدت «ما» بعد «ما».
١٣ ـ حذف المخصوص باب «نعم» إذا علم من سياق الكلام ، كقوله تعالى :
(نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص : ٣٠ ، التقدير : نعم العبد هو ، و «هو» عائد على أيوب.
١٤ ـ حذف الضمير المنصوب المتصل ، ويقع فى :
(أ) الصلة ، كقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) الفرقان ، ٤١ ، والتقدير ، بعثه.
(ب) الصفة ، كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) البقرة : ٤٨ ، أى : فيه.
(ج) الخبر ، كقوله تعالى : (وكل وعد الله الحسنى) النساء : ٩٥ ، فى قراءة ابن عامر.
١٥ ـ حذف المفعول ، وهو ضربان :
(ا) أن يكون مقصودا مع الحذف فينوى لدليل ، ويقدر فى كل موضع ما يليق به ، كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) البروج : ١٦ ، أى يريده
(ب) ألا يكون المفعول أصلا ، وينزل المتعدى منزلة القاصر ، وذلك عند إرادة وقوع نفس الفعل فقط وجعل المحذوف نسيا منسيّا ، كما ينسى الفاعل عند بناء الفعل فلا يذكر المفعول ولا يقدر ، غير أنه لازم الثبوت عقلا لموضوع كل فعل متعد ، لأن الفعل لا يدرى تعيينه ، وبهذا يعلم أنه ليس كل ما هو لازم من موضوع الكلام مقدرا فيه ، كقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) البقرة : ٦٠ لأنه لم يرد الأكل من معين ، وإنما أراد وقوع الفعلين ، ويسمى المفعول حينئذ مماتا.
١٦ ـ حذف الحال ، كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الرعد : ٢٣ ، ٢٤ ، أى قائلين : سلام عليكم.
١٧ ـ حذف الشرط ، كقوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا
الصَّلاةَ) إبراهيم : ٣١ ، أى إن قلت لهم : أقيموا يقيموا.
١٨ ـ حذف جواب الشرط ، كقوله تعالى : (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) الأحقاف : ١٠ ، أى أفلستم ظالمين.
١٩ ـ حذف الأجوبة ، ويكثر ذلك فى جواب : لو ، ولو لا ، كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) الأنعام : ٢٧ ، والتقدير : لرأيت عجبا ، وكقوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) يوسف : ٢١ ، أى لو لا أن رأى برهان ربه لخالطها.
٢٠ ـ حذف جواب القسم ، وهذا لعلم السامع المراد منه ، كقوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً. وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً. وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً. فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً. يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) النازعات : ١ ـ ٦ ، والتقدير : لتبعثن ولتحاسبن.
(ب) الجملة
حذف الجملة ، وهذا أقسام :
(أ) قسم هى مسببة عن المذكور ، ومنه قوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) الأنفال : ٨ ، فإن اللام الداخلة على الفعل لا بد لها من متعلق يكون سببا عن مدخول اللام ، فلما لم يوجد لها متعلق فى الظاهر وجب تقديره ضرورة ، فيقدر : فعل ما فعل ليحق الحق.
(ب) قسم هى سبب له ، ومنه قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) البقرة : ٦٠.
فإن الفاء إنما تدخل على شىء مسبب عن شىء ، ولا مسبب إلا له سبب ، فإذا وجد المسبب ولا سبب له ظاهر ، أوجب أن يقدر ضرورة ، فيقدر : فضربه فانفجر.
(ج) قسم خارج عنهما ، ومنه قوله تعالى : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) الذاريات : ٤٨ ، أى نحن هم ، أو هم نحن.
٢ ـ حذف القول ، ومنه قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى. كُلُوا) طه : ٨ ، ٨١ ، أى ، قلنا كلوا ، أو قائلين كلوا.
٣ ـ حذف الفعل ، وهو :
(أ) خاص ، نحو «أعنى» مضمرا ، وينتصب المفعول به فى المدح ، ومنه قوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) البقرة : ١٧٧ ، أى أمدح.
(ب) عام ، وهو كل منصوب دل عليه الفعل لفظا أو معنى أو تقديرا ، ويحذف لأسباب :
١ ـ أن يكون مفسرا ، كقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) الانشقاق : ١.
٢ ـ أن يكون هناك حذف حرف جر ، كقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الفاتحة : ١ ، فإنه يفيد أن المراد : بسم الله أقرأ ، أو أقوم ، أو أقعد عند القراءة وعند الشروع فى القيام أو القعود ، أى فعل كان.
٣ ـ أن يكون جوابا لسؤال واقع أو مقدر ، فمن الأول قوله تعالى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) البقرة : ١٣٥ ، أى بل نتتبع ، ومن الثانى قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ) النور : ٣٦ ، ٣٧ ، ببناء الفعل للمفعول ، فإن التقدير : يسبحه رجال.
٤ ـ أن يدل عليه معنى الفعل الظاهر ، كقوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) النساء ١٧١ ، أى وائتوا أمرا خيرا لكم.
٥ ـ أن يدل عليه العقل ، كقوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) البقرة : ٦٠ ، أى فضرب فانفجرت.
٦ ـ أن يدل عليه ذكره فى موضع آخر ، كقوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) الأنبياء ٨١ ، أى وسخرنا.
٧ ـ المشاكلة ، كحذف الفاعل فى : (بسم الله) لأنه موطن لا ينبغى أن تقدم فيه سوى ذكر الله ، ولو ذكر الفعل ، وهو لا يستغنى عن فاعله ، كان ذلك مناقضا للمقصود ، وكان فى حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى ، ولكن لا تقول هذا المقدر ليكون اللفظ فى اللسان مطابقا لمقصود الجنان ، وهو أن يكون فى القلب ذكر الله وحده ، وأيضا فلأن الحذف أعم من الذكر ، فإن أى فعل ذكرته كان المحذوف أعم منه ، لأن التسمية تشرع عند كل فعل.
٨ ـ أن يكون بدلا من مصدره ، كقوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) القتال : ٤ ، أى فإما أن تمنوا وإما أن تفادوا.
ج ـ الحرف
وحذف الحرف ليس يقاس ، وذلك لأن الحرف نائب عن الفعل بفاعله ، ومنه.
١ ـ حذف الواو ، تحذف لقصد البلاغة ، كقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) الغاشية ٨ ، أى ووجوه.
٢ ـ حذف الفاء ، كقوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) البقرة : ١٨٠ ، أى فالوصية.
٣ ـ حذف ألف ما الاستفهامية مع حرف الجر ، للفرق بين الاستفهامية والخبرية ، كقوله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) البقرة : ٩١.
٤ ـ حذف الياء ، للتخفيف ، ورعاية الفاصلة ، كقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) الفجر : ٤.
٥ ـ حذف حرف النداء ، كقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) آل عمران : ٦٦ ، أى يا هؤلاء.
٦ ـ حذف لو ، ومنعه قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ
إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) المؤمنون : ٩١ ، تقديره : لو كان معه إله لذهب كل إله بما خلق.
٧ ـ حذف قد ، ومنه قوله تعالى : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) الشعراء : ١١١ ، أى وقد اتبعك ، لأن الماضى لا يقع فى موقع الحال إلا ومعه قد ، ظاهرة ، أو مقدرة.
٨ ـ حذف أن ، ومنه قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) الروم : ٢٤ ، والمعنى : أن يريكم.
٩ ـ حذف لا ، ومنه قوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ) يوسف : ٨٥ ، أى لا تفتأ ، لأنها ملازمة للنفى ومعناها : لا تبرح.
* * *
(٤٧) الحقيقة والمجاز :
١ ـ الحقائق كل كلام بقى على موضوعه. كالآيات التى يتجوز فيها ، وهى الآيات الناطقة ظواهرها بوجود الله تعالى وتوحيده وتنزيهه ، والدعاية إلى أسمائه وصفاته ، كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ...) الحشر : ٢٢.
٢ ـ المجاز : طريق القول :
وقد اختلف فى وقوعه القرآن ، والجمهور على الوقوع ، وله سببان :
(ا) الشبه ، ويسمى المجاز اللغوى ، وهو الذى يتكلم فيه الأصولى ، وهو مجاز فى المفرد.
(ب) الملابسة ، وهو الذى يتكلم فيه أهل اللسان ، ويسمى المجاز العقلى ، وهو أن تسند الكلمة إلى غيره ما هى له أصالة بضرب من التأويل ، وهو مجاز فى المركب ، كقوله تعالى : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) القصص : ٤ ، والفاعل غيره ، ونسبه الفعل إليه لكونه الآمر به.
والمجاز المركب على ثلاثة أقسام :
١ ـ ما طرفاه حقيقيان. نحو قوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) الأنفال : ٢.
٢ ـ ما طرفاه مجازيان ، نحو قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) البقرة : ١٦.
٣ ـ ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر ، كقوله تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) محمد : ٤.
وأنواع المجاز الإفرادى كثيرة يعجز العد عن إحصائها ، منها :
١ ـ إيقاع المسبب موقع السبب ، كقوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) الأعراف : ٢٧ ، والمنزل سببه ، وهو الماء.
٢ ـ إيقاع السبب ، موقع المسبب كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) الشورى : ١٤٠ ، سمى الجزاء ، الذى هو السبب ، سيئة واعتداء ، فسمى الشيء باسم سببه ، وإن فسرت السيئة بما ساء ، أى أضر ، لم يكن من هذا الباب ، لأن الإساءة تحزن فى الحقيقة.
٣ ـ إطلاق اسم الكل على الجزء ، نحو قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) البقرة : ١٩ ، أى أناملهم.
٤ ـ إطلاق اسم الجزء على الكل ، نحو قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص : ٨٨ ، أى ذاته.
٥ ـ إطلاق اسم الملزوم على اللازم ، كقوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) الروم : ٣٥ ، أى أنزلنا برهانا يستدلون به وهو يدلهم ، سمى الدلالة كلاما ، لأنها من لوازم الكلام.
٦ ـ إطلاق اسم اللازم على الملزوم ، كقوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) الصافات : ١٤٣ ، أى المصلين.
٧ ـ إطلاق اسم المطلق على المقيد ، كقوله تعالى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) الأعراف :
٧٧ ، والعاقر لها من قوم صالح قدار. لكنهم لما رضوا الفعل نزلوا منزلة الفاعل.
٨ ـ إطلاق اسم المقيد على المطلق ، كقوله تعالى : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران : ٦٤ ، والمراد كلمة الشهادة ، وهى عدة كلمات.
٩ ـ إطلاق اسم الخاص وإرادة العام ، كقوله تعالى : (الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) المنافقون : ٤ ، أى الأعداء.
١٠ ـ إطلاق اسم العام وإرادة الخاص ، كقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) الشورى : ٤٠ ، أى للمؤمنين.
١١ ـ إطلاق الجمع وإرادة المثنى ، كقوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) التحريم : ٤ ، أطلق اسم القلوب على القلبين.
١٢ ـ النقصان ، ومنه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، كقوله تعالى :
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يوسف : ٨٢ ، أى أهلها.
١٣ ـ الزيادة ، كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى : ١١ ، أى ليس كهو شىء ، على زيادة : مثل ، أو ليس مثله شىء ، على زيادة الكاف ، وإن (مثل) خبر لشىء ، وهذا هو المشهور.
١٤ ـ تسمية الشيء بما يئول إليه ، كقوله تعالى : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) نوح : ٢٤ ، أى صائرا إلى الفجور والكفر.
١٥ ـ تسمية الشيء بما كان عليه ، كقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) النساء : ٢ ، أى الذين كانوا يتامى ، فلا يتم بعد البلوغ.
١٦ ـ إطلاق اسم المحل على الحال ، كقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) العلق : ١٧.
١٧ ـ إطلاق اسم الحال على المحل ، كقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) آل عمران : ١٠٧ ، أى فى الجنة ، لأنها محل الرحمة.
١٨ ـ إطلاق اسم آلة الشيء عليه ، كقوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) الشعراء : ٨٤ ، أى ذكرا حسنا ، أطلق اللسان وعبر به عن الذكر.
١٩ ـ إطلاق اسم الضدين على الآخر ، كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) الشورى : ٤٠ ، وهى من المبتدئ سيئة ومن الله حسنة ، فحمل اللفظ على اللفظ.
٢٠ ـ تسمية الداعى إلى الشيء باسم الصارف عنه ، لما بينهما من التعلق ، كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) الأعراف : ١٢ ، كأنه قيل : ما أمنك حتى خالفت ، بيانا لإغراره وعدم رشده ، وأنه إنما خالف وحاله حال من امتنع بقوته من عذاب ربه ، فكنى عنه ب (ما مَنَعَكَ) تهكما ، لا أنه امتنع حقيقة ، وإنما جسر جسارة من هو فى منعة.
٢١ ـ إقامة صيغة مقام أخرى ، ومنه :
(ا) فاعل بمعنى مفعول ، كقوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) عود : ٤٣ ، أى لا معصوم.
(ب) مفعول بمعنى فاعل ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) مريم : ٦١ ، أى آتيا.
(ج) فعيل بمعنى مفعول ، كقوله تعالى : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) البقرة : ١٣٨ ، أى مظهورا فيه ، ومنه : وظهرت به فلم التفت إليه.
(د) مجىء المصدر على فعول ، كقوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) الإنسان : ٩ ، المراد ، شكر ، وليس المراد الجمع.
(ه) إقامة الفاعل مقام المصدر ، كقوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) الواقعة : ٢ ، أى تكذيب.
(و) إقامة المفعول مقام المصدر ، كقوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) القلم : ٢ ، أى الفتنة.
(ز) وصف الشيء بالمصدر ، كقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) الشعراء : ٧٧ ، لأنه فى معنى المصدر ، كأنه قال : فإنهم عداوة.
(ح) مجىء المصدر بمعنى المفعول ، كقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) البقرة : ٢٥٥ ، أى من معلومه.
(ط) مجىء فعيل بمعنى الجمع ، كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) التحريم : ٤.
(س) إطلاق الخبر وإرادة الأمر ، كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) البقرة ٢٣٣ ، أى ليرضع الوالدات أولادهن.
(ك) إطلاق الأمر وإرادة الخبر. كقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) مريم : ٧٥ والتقدير : مد له الرحمن مدّا.
(ل) إطلاق الخبر وإرادة النهى ، كقوله تعالى : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) البقرة : ٨٣ ، ومعناه ، لا تعبدوا.
٢٢ ـ إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل له فى الحقيقة :
(ا) إما على التشبيه ، كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) الكهف : ٧٧ فإنه شبه ميله للوقوع بشبه المريد له.
(ب) وإما لأنه وقع به ذلك الفعل ، كقوله تعالى : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) الروم ١ ، ٢ ، فالغلبة واقعة بهم من غيرهم ، ثم قال : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) الروم ٣ ، فأضاف الغلب إليهم ، وإنما كان كذلك ، لأن الغلب وإن كان لغيرهم فهو متصل بهم لوقوعه بهم.
(ج) وإما لوقوعه فيه ، كقوله تعالى : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) المزمل : ١٧.
(د) وإما لأنه سببه ، كقوله تعالى : (فَزادَتْهُمْ إِيماناً) التوبة : ١٢٤.
٢٣ ـ إطلاق الفعل والمراد مقاربته ومشارفته ، كقوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) الطلاق : ٢ ، أى قاربن بلوغ الأجل ، أى انقضاء العدة ، لأن الإمساك لا يكون بعد انقضاء العدة ، فيكون بلوغ الأجل تمامه.
٢٤ ـ إطلاق الأمر بالشىء للمتلبس به والمراد دوامه ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) النساء : ١٣٦.
٢٥ ـ إطلاق اسم البشرى على المبشر به ، كقوله تعالى : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) الحديد : ١٤ ، والتقدير : بشراكم دخول جنات ، ادخلوا جنات ، لأن البشرى مصدر ، والجنّات ذات ، فلا يخبر بالذات عن المعنى.
٢٦ ـ وقد يتجوز عن المجاز بالمجاز ، وهو أن تجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر ، فتتجوز بالمجاز الأول عن الثانى لعلاقة بينهما ، كقوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) البقرة : ٢٣٥ ، فإنه مجاز عن مجاز ، فإن الوطء تجوز عنه ، بالسر ، لأنه لا يقع غالبا إلا فى السر ، وتجوز بالسر عن العقد ، لأنه مسبب عنه ، فالصحيح للمجاز الأول الملازمة ، والثانى السببية ، والمعنى : لا تواعدوهن عقد نكاح.
* * *
(٤٨) الخبر :
والقصد به إفادة المخاطب ، وقد يشرب مع ذلك معان أخر ، منها :
١ ـ التعجب ، وهو تفضيل الشيء على أضرابه بوصف ، وله صيغ :
(ا) ما أفعله
(ب) أفعل به
(ج) صيغ من غير لفظه ، نحو : كبر.
٢ ـ الأمر ، كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) البقرة ، ٢٢٨ ، فإن سياق يدل على أن الله تعالى أمر بذلك ، لا أنه خبر.
٣ ـ النهى ، كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) البقرة : ١٩٧ ، أى لا ترفثوا ولا تفسقوا.
٤ ـ الوعد ، كقوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) فصلت : ٥٢.
٥ ـ الوعيد ، كقوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) الشعراء : ٢٢٧.
٦ ـ الدعاء ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة : ٥ ، أى أعنا على عبادتك.
٧ ـ الإنكار والتبكيت ، كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) الدخان : ٤٩.
٨ ـ الشرط ، فقد يكون اللفظ خبرا والمعنى شرطا وجزاء ، كقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) الدخان : ١٥ ، والمعنى : إنا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا.
٩ ـ التمنى ، وكلمته الموضوعة له «ليت» ، وقد تستعمل مكانها ثلاثة أحرف ، وهى :
(ا) هل ، كقوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) الأعراف : ٥٣ ، حملت «هل» على إفادة التمنى لعدم التصديق بوجود شفيع فى ذلك المقام. فيتولد التمنى بمعونة قرينة الحال.
(ب) لو ، سواء كانت مع «ود» كقوله تعالى : (ودوا لو تدهن فيدهنوا) ن : ٩ ، فى قراءة النصب.
(ج) لعل ، كقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) غافر : ٣٦ ، ٣٧ ، فى قراءة النصب.
١٠ ـ الترجى ، والفرق بينه وبين التمنى ، أن الترجى لا يكون إلا فى الممكنات ، والتمنى يدخل المستحيلات.
١١ ـ النداء ، وهو طلب إقبال المدعو على الداعى بحرف مخصوص ، وإنما يصحب فى الأكثر الأمر والنهى ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) البقرة : ٢١.
وربما تقدمت جملة الأمر جملة النداء ، كقوله تعالى : (تُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) النور : ٣١.
وإذا جاءت جملة الخبر بعد النداء تتبعها جملة الأمر ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) الحج : ٧٣.
* * *
(٤٩) الخروج على خلاف الأصل :
الأصل فى الأسماء أن تكون ظاهرة وأصل المحدث عنه كذلك ، والأصل أنه إذا ذكر ثانيا أن يذكر مضمرا للاستغناء عنه بالظاهر السابق.
وللخروج على خلاف الأصل أسباب ، وهى :
١ ـ التعظيم ، كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة : ٢٨٢.
٢ ـ الإهانة والتحقير ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) النور : ٢١.
٣ ـ الاستلذاذ بذكره ، كقوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) الإسراء : ١٠٥.
٤ ـ زيادة التقدير ، كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) الإخلاص : ١ ، ٢.
٥ ـ إزالة اللبس حيث يكون الضمير يوهم أنه غير المراد ، كقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) آل عمران : ٢٦ ، فلو قال : تؤتيه ، لأوهم أنه الأول.
٦ ـ تربية المهابة وإدخال الروعة فى ضمير السامع ، كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) الحاقة : ١ ، ٢
(ـ ٧ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٣)
٧ ـ تقوية داعية المأمور ، كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران : ١٥٩ ، فلم يقل «على» حين قال «على الله» ولم يقل «إنه يحب» أو «إنى أحب» تقوية لداعية المأمور بالتوكل بالتصريح باسم المتوكل عليه.
٨ ـ تعظيم الأمر ، كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً. إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) الدهر : ١ ، ٢ فلم يقل «خلقناه» للتنبيه على عظم خلقة الإنسان.
٩ ـ التوصل بالظاهر إلى الوصف ، كقوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) الأعراف : ١٥٨ ، فلم يقل «آمنوا بالله وبى» ليتمكن من إجراء الصفات التى ذكرها ، فإنه لو قال «ربى» لم يتمكن من ذلك لأن الضمير لا يوصف ليعلم أن الذى وجب الإيمان به هو من وصف بهذه الصفات.
١٠ ـ التنبيه على علة الحكم ، كقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) البقرة : ٩٨ ، أى من كان عدوّا لهؤلاء فهو كافر ، هذا إن خيف الإلباس لعوده للمذكورين.
١١ ـ العموم ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) الكهف : ٧٧ ، ولم يقل استطعمهم للإشعار بتأكيد العموم ، وأنهما لم يتركا أحدا من أهلها إلا استطعماه وأبى.
١٢ ـ الخصوص ، كقوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) الأحزاب : ٥٠ ، ولم يقل «لك» ، لأنه لو أتى بالضمير لأخذ جوازه لغيره ، كما فى قوله تعالى : (وَبَناتِ عَمِّكَ) الأحزاب : ٥٠ ، فعدل عنه إلى الظاهر للتنبيه على الخصوصية وأنه ليس لغيره ذلك.
١٣ ـ التجنيس ، كقوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ) الناس : ١ ـ ٣.
١٤ ـ كونه أهم من الضمير ، كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) البقرة : ٢٨٢.
١٥ ـ كون ما يصلح للعود ولم يسق الكلام له ، كقوله تعالى : (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الأنعام : ١٢٤.
١٦ ـ الإشارة إلى عدم دخول الجملة فى حكم الأولى ، كقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) الشورى : ٢٤ ، فإن (يمح) استئناف وليس عطفا على الجواب ، لأن المعلق على الشرط عدم قبل وجوده.
* * *
(٥٠) خط المصحف :
من الناظرين فى رسم القرآن فريق صرفهم الإجلال له عن أن يفصلوا بين ما هو وحى من عند الله حرك به لسان رسوله ، وبين ما صوره كتاب الرسول حروفا وكلمات.
وأنت تعرف أن الكلمة الواحدة قد تختلف صورة رسمها على أيدى كتبة يستملون عن ممل واحد ، إذا اختلفت طرق تلقيهم للإملاء ، غير أنهم حين ينطقون هذه الكلمة يجمعون على نطق واحد.
وما من شك فى أن القرآن الكريم تعرض رسمه لهذا الخلاف ، وكان حفظ الله له فى بقاء حفظته ، يعى الناس عنهم أكثر ما يعون عن القراءة ، وكانوا بهذا مطمئنين ، وحين عدت العاديات على الحفظة بدأ الخوف يدب ، وبدأ تفكير الصحابة يتجه إلى ما هو أبقى ، أعنى جمع القرآن مكتوبا.
وكانت محاولة أبى بكر وعمر التى مرت بك ، واجتمع للناس قرآنهم مكتوبا ،
وبدأ شغلهم بما هو متلو أو يعادله ، وأخذ الرسم يملى برسمه ، ويقومه الحفظ ، فى فترة لم يكن الصحابة فيها أبعدوا كثيرا عن فترة نزول القرآن.
وما كانت الأمة العربية عهد كتابة الوحى أمة عريقة فى الكتابة ، وما كان كتاب النبى إلا صورة من العصر البادئ فى الكتابة ، ولم تكن الكتابة العربية على حالها اليوم من التجويد والكمال إملاء ورسما. ونظرة فى رسم المصحف ، وما يحمل من صور إملائية تخالف ما استقر عليه الوضع الإملائى أخيرا ، تكشف لك عما كان العرب عليه إملاء ، وعما أصبحنا عليه نحن إملاء.
وقد لا يفوتك أن الخط العربى ، عصر كتابة الوحى إلى أيام عبد الملك بن مروان ، لم يكن عرف النقط المميز للحروف فى صورته الأخيرة ، كما لم يكن عرف شكل الكلمات ، وبقى المصحف المرسوم ينقصه الشكل وعاش يحميه حفظ الحفاظ من اللحن.
وللسلف والخلف فى مرسوم المصحف آراء نجملها فيما يلى :
يقول السلف : إن الخط ثلاثة أقسام :
١ ـ خط يتبع به الاقتداء السلفي ، وهو رسم المصحف.
٢ ـ خط جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه ، وهو خط العروض ، فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل.
٣ ـ خط جرى على العادة المعروفة ، وهو الذى يتكلم عليه النحو.
ويقول ابن درستويه : خطان لا يقاس عليهما : خط المصحف. وخط تقطيع العروض.
ويقول الفراء : إتباع المصحف ، إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القرآن ، أحب إلى من خلافه.
ويقول الشيخ عز الدين عبد السلام : لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة ، لئلا يوقع فى تغيير من الجهال ، ولكن لا ينبغى إجراء